PDF download تنزيل المقال PDF download تنزيل المقال

لإسحاق نيوتن قول مضمونه أن اللباقة "فن إيصال المعنى دون استعداء المتلقي" (Tact is the art of making a point without making an enemy). وهذا بالضبط ما تعنيه اللباقة؛ أي القدرة على إبلاغ فكرتك بوضوح، محافظًا في الوقت ذاته على مشاعر الآخرين، لا أن تؤذيهم ولو بغير قصد. هذا لا يعني أن تخفي مرادك الحقيقي؛ بل يعني أن تصوغ أفكارك بما يجعلها أكثر لطفًا وأدعى للقبول.

جزء 1
جزء 1 من 2:

اللباقة في الحديث

PDF download تنزيل المقال
  1. أمهل نفسك قليلًا لتزن وقع كلماتك، وتمنع نفسك من الردود المتسرعة. قد يتبادر بشكل فوري إلى ذهنك تعليق على أمر قاله رئيسك في العمل أو صديق لك؛ حينئذٍ تمهل لحظة لتستجمع أفكارك قبل أن تندفع وتقول ما يعنّ لك. سل نفسك ما إذا كان ذلك الوقت مناسبًا لقول ما يخطر ببالك أم أن عليك أن تجد أولًا طريقة مناسبة لقول ذلك ووقتًا يكون المستمع فيه أكثر تقبلًا.
    • مع أن من الأفكار التي تتوارد عليك ما قد يستحق الاهتمام؛ فالأفضل أن تقف بضع دقائق لتحسن صياغتها. فإذا أنكرت نفسك أمر قاله رب عملك، ففكر أولًا في أسباب محكمة لتجادل بها ضد الفكرة بدلًا من أن تندفع برفضها دون تفكير.
    • راعِ من حولك. قد تود إظهار تشوقك لحفل زفافك القريب، بينما قد تطلّق أحدهم لتوه. ليس عليك أن تخفي مشاعرك للأبد؛ لكن يجدر بك أن تجد وقتًا أفضل للتعبير عما بداخلك.
  2. إذا شرع البعض في الغيبة والنميمة؛ فلا تنخرط فيها إذا كنت تود التمتع باللباقة، بالذات إذا كان ذلك في مكان العمل ولم تكن ترغب في الانزلاق إلى التحزّبات الداخلية. هناك عدة طرق لصرف الحديث عن المسار السلبي والارتفاع عن تلك الأمور:
    • صحح الإشاعات بلطف. مثلًا: " من المؤسف أن تسمع من أحدهم هذا الكلام عن فلانة؛ فقد قالت لي عندما قابلتها أن ما يقال عن فصلها عن العمل مجرد إشاعات."
    • لا تلزم نفسك بموقف معين: "لم أقابل فلانًا من قبل وبالتالي ليس لي أن أعلق على مثل هذا الكلام."
    • اذكر الإيجابيات: "بالرغم مما يقال عن علانة، إلا أنها تؤدي عملها كما يجب،" أو: "لم يعاملني علان إلا بكل احترام."
    • غير الموضوع. "أتعلم؟ ذكرني كلامك عن المدير بأن الرحلة السنوية للعاملين بالشركة قد قاربت. هل ستأتي معنا؟"
    • انأَ بنفسك عن الموقف. إذا استمر الآخرون في الحديث السلبي، فاستأذن من المجلس متعللًا بالعمل أو الدراسة بشكل عابر.
    • اطلب من المتحدث بأدب أن يتوقف. " أنا لا أريد الخوض في خصوصيات الجيران،" أو: "لا أرغب في مكان العمل أن أتكلم عن هذا."
  3. إذا لم يكن مفر من انتقاد شخص ما، سواءً كان زميلك في العمل أو صديقك الصدوق، فاختر كلامك بما يجعل المتلقي يتقبل انتقادك. هذا لا يعني أن تكذب؛ بل أن تبدأ بمديح يوصل له أنك تهتم لأمره. من ذلك:
    • إذا أردت أن تنتقد صديقك، يمكن أن تقول: "يطيب نفسي أنك تهتم بأمر زواجي، لكن لا داعي أن تعرفني بكل عروس مناسبة في كل مرة نخرج فيها سويًا؛ فهذا يوقعني في الحرج."
    • إذا كان الانتقاد موجهًا لزميل في العمل، قل مثلًا: "جميل أنك تعمل بجهد على المشروع، لكن الأفضل أن تشرك فلانة معك في العمل؛ فهذا يعطي نتائج أفضل."
  4. من أهم أسس اللباقة أن تنتبه للكلمات التي تعبر بها عن أفكارك؛ فيمكنك أن تقول ذات الأمر بطريقة مزعجة ومهينة أو متعالمة؛ ويمكنك أن تقوله بطريقة مهذبة ولطيفة. سل نفسك عندما تستعد لقول رأيك ما إذا كان أسلوبك متحيزًا أو متعجرفًا أو لا يناسب الموقف في العموم؛ واختر الكلمات التي تعبر عن المراد دون الإساءة إلى الآخرين.
    • إذا أردت أن تقول لزميلة في العمل أن عليها أن تكون أسرع في إنجاز عملها؛ فلا تقل لها: "أنت بطيئة." بل قل: "هل يمكنك التفكير في طرق تجعلك 'أكثر كفاءة'؟"
    • إذا أردت أن تترك وظيفتك الحالية، فلا تقل لرئيسك: "أن أذكى بمراحل من العاملين هنا." قل بدلًا من ذلك: "المحيط هنا لا يلائمني بشكل جيد."
  5. حسن اختيار التوقيت نصف الطريق إلى اللباقة. قد يكون ما تريد قوله ذا مضمون طيب؛ لكن قوله في الوقت الخطأ قد يفسد الموقف تمامًا، ويجرح المشاعر مع أنك لم تقصد سوءًا. فكّر قبل أن تتكلم في ما إذا كان الوقت مناسبًا لتعليقك وكان الآخرون على استعداد لسماعه؛ أم أن من الأفضل تأجيله ليقع وقعًا أفضل عليهم وتتلقى ردًا تحبه حتى لو كنت تتوق لقوله الآن.
    • مثلًا: إذا كانت صديقتك متحمسة لأن تزف لجميع صديقاتها خبر خطبتها، فأجلى أنت خبر حملك أسبوعًا آخر حتى تنال هي ما تود من التهنئة؛ فلعلك لا ترغبين أن تشعر بأنك قد سرقت منها فرحتها.
    • إذا كان رئيسك ينهي عرضه التوضيحي بعد يوم شاق من العمل، فليس من الحكمة أن تسأله عن أمر ليس له علاقة بما كان يقوله؛ إذ أن تركيزه سيكون منصبًا على العرض ولن يجد من الطاقة ما يكفي للرد على تساؤلك. إذا انتظرت لليوم التالي فستجد صدره أكثر رحابة للتعامل مع ما تطرح.
  6. إذا طلب منك أحدهم فعل شيء ما، فجد طريقة تردّه فيها برفق؛ حتى لو كنت ترغب أن تصيح في وجهه: "مستحيل!" مثلًا: قد تدعى لـ"سبوع" رضيع لأشخاص لا تعرفهم أو لأن تتأخر في العمل بعد موعد الانصراف يوم الخميس لتنهي مهمة ما. بدلًا من أن ترفض بشكل غاضب أو مستاء، تمهل ولا تقل إنك تكره الأمر؛ بل اعتذر بكونك لن تستطيع لسبب أو لآخر. بهذه الطريقة سيصل المقصود دون أن تؤذي مشاعرهم.
    • مثلًا: إذا دعاك رب عملك لتتولّى مشروعًا آخر، بينما ليس لديك متسع لأي شيء فوق ما لديك بالفعل؛ فقل: " أشكرك بشدة على أنك فكرت فيّ لتولي هذا الأمر، ولكن، للأسف، لا زلت أعمل على إنهاء المشروعين الآخرين الذين كلفتني بهما، ولن أستطيع إيجاد الوقت لشيء آخر؛ لكني أود بالتأكيد المساعدة على أمر كهذا في المستقبل."
    • إذا دعاك صديقك لرحلة جبلية، ولم يكن هذا النوع من الرحلات يناسبك؛ فقل مثلًا: "يبدو أنك تريد قضاء وقت مثير، لكني أود الحصول على بعض الراحة والاسترخاء في هذين اليومين بعد أسبوع حافل من العمل. هل يناسبك أن نتنزه سويًا الأسبوع التالي؟"
  7. مما يقع فيه من لا يتمتعون باللباقة أن يشركوا في أمورهم كل عابر سبيل يقابلونه. إذا أردت التحلي باللباقة، فلا تخبر كل من تجد بمشاكلك الزوجية أو الصحية أو أمورك الشخصية عمومًا؛ فلن يؤدي هذا إلا إلى إرباكهم ووضعهم في الحرج، ولن تكسب بذلك أصدقاء جدد. من اللباقة أن تعرف متى يود المستمع معرفة المزيد ومتى تتوقف عن الكلام.
    • ينطبق هذا أيضًا على حياة الآخرين الشخصية. إذا كنت مع صديق لصوق وبعض المعارف، فلا تكمل حديثكما الخاص المتعلق بهذا الصديق أمامهم؛ فقد يرغب في أن يستشيرك أنت بشأن مشاكله العائلية، لا أن تنكشف لكل من هب ودب.
  8. من الجميل أن تكون كلماتك ودودة ومهذبة، لكن إذا قالت حركات وسكنات جسدك أمرًا آخر، فستصل مستمعك رسالة أخرى غير التي تقول. إذا كنت تتناول أمرًا حساسًا في كلامك، فانظر في عيني المتلقي وواجهه بجسدك ولا تجانبه أو تنظر في الأرض. امنحه كامل انتباهك وأشعِره بأنك تهتم؛ فسيصعب أن يأخذ ما تقول بجدية إذا كنت تمتدحه وأنت تنظر في الاتجاه الآخر.
    • الأفعال أعلى صوتأ من الكلمات (actions speak louder than words)، لهذا احرص على أن يتوافق كلامك مع جسدك.
جزء 2
جزء 2 من 2:

مراعاة الآخرين

PDF download تنزيل المقال
  1. من اللباقة أيضًا أن تتفهم منطلق الآخرين في مواقفهم؛ فكما من المهم التعبير عن آرائك الخاصة، من المهم كذلك أن تدرك أن غيرك قد لا يرى الأمور كما تراها أنت. إذا أوصلت لمستمعك أنك تفهم سبب ومنشأ آرائه، فسيصير أكثر استعدادًا بكثير لأن ينصت لما تقول ويأخذ أفكارك بجدية.
    • إذا بدأت بقولك: "أعرف أن وقتك ضيق في الوقت الحالي..."، فسيكون المستمع أكثر تقبلًا لطلبك عندما تطلب منه مساعدتك في أمر آخر. إذا اكتفيت بقولك: "هلا سهرت الليلة على إنهاء هذا التقرير من أجلي؟"، فقد يشعر أنك لا تقدّر ظروفه.
  2. هناك الكثير من الثقافات التي لا ينبغي تجاهلها في عالمنا، وهي تنبع من مواطن الأشخاص وطرق تربيتهم، وأعراقهم وخلفياتهم، وحتى إلى أي جيل ينتمون. ما قد يقبل في ثقافة ما قد يعتبر وقاحة في غيرها؛ لهذا انتبه لهذه الاختلافات قبل أن تقول تعليقك.
  3. قد تود تصحيح شيء قاله زميل لك أثناء أحد الاجتماعات أو أن تخبر صديقك بأن هناك قطعة كبيرة من السبانخ بين أسنانه. بدلًا من أن تحرجه على الملأ، انفرد به جانبًا وأخبره في السر. فستر الآخرين من شيم اللبقين، إذ يعرفون متى يحتمل الموقف أن يقال أمر ما؛ كما أنها صفة يجمُل التخلق بها في الحياة الاجتماعية والمهنية.
    • مثلًا: إذا نلت وصديقك علاوة في راتبيكما؛ فلا تتباهيا أمام الآخرين، بل أبقيا الأمر بينكما واحتفلا في وقت لاحق.
  4. حافظ على هدوئك وتكلم بلطف وصدق؛ وأحسِن الظن. قد تودين لو تخبرين صديقتك برأيك الحقيقي في تصرفها، أو تكادين تنفجري في وجه زميلك لإفساده المشروع؛ بدلًا من ذلك، أمسكي لسانك وتصرفي برفق قدر الإمكان حتى تواتيك فرصة للتعبير عن مشاعرك الحقيقية؛ فلا تقولي في فورة اللحظة ما ستندمين عليه فيما بعد.
    • مثلًا إذا أهداك أحدهم قميصًا قبيحًا، فقل: "أشكرك جزيل الشكر على الهدية، وقد تأثرت لأنك فكرت فيّ."
  5. انظر حولك قبل الكلام وفكر كيف يكون وقعه على الناس. من المهم أن تعرف مواقف من حولك قبل أن تندفع بآرائك السياسية والدينية والاجتماعية. لا يمكن أن تعرف مواقف كل شخص مائة بالمائة، ولكن ينبغي إدراك طريقة التفكير والخبرات السابقة الخاصة بهم بشكل عام حتى لا تؤذيهم بكلامك.
    • مثلًا: إذا حصلت على علاوة بينما تم فصل زميلك، فلا تتباهَ بذلك.
    • لا تجلس مع شخص محروم من الإنجاب ثم تتكلم كيف أن الأطفال هم زينة الحياة وأن أبناءك ملائكة صغار ومصدر سعادتك.
    • إذا كان رفيقك عائدًا للتو من يوم عمل شاق، فلا تتوقع أن يقدر على مساعدتك على حل أزمة نفسية عويصة. تحلّ بالصبر.
  6. الإنصات الإيجابي (active listening) جزء أساسي من اللباقة. هناك فرق بين ما يقوله شخص ما بلسانه وما يدور بالفعل في عقله؛ لهذا عليك أن ترى أن تنصت لتعرف الحقيقة. إذا كان صديقك يقول إنه ليس حزينًا وأنه مستعد للتنزه معك، لكن يبدو من خلجات وجهه وحركات بدنه غير هذا؛ فجِد طريقة رفيقة لتخبره ألا مشكلة إن لم يكن مستعدًا فعلًا للخروج معك الآن.
    • يساعدك الانتباه للغة الجسد التي يظهرها الناس بينما يتكلمون على أن تستجيب للكلام بألبق طريقة ممكنة. مثلًا:إذا كان زميلك يعاني المشاكل في مشروعه لكنه يخشى أن يطللب مساعدتك؛ فانتبه لما يبدو منه، كالتوتر والتلعثم وتكرار الكلام، فلعله يود أن تمد له يد العون.
    • يساعدك الإنصات الإيجابي أيضًا على أن تعرف ما إذا انسدّت نفس المستمع عن الكلام واكتف مما تقول. إذا كنت تنتقد زميلًا على أمر هو بالفعل متضايق منه، فيمكن أن تخبرك كلماته أو تصرفاته أنه لم يعد يطيق سماع المزيد؛ عندئذٍ أنهِ المحادثة بكياسة وأكمل ملاحظاتك فيما بعد.
  7. من اكتمال اللباقة الحقيقية احترام الآخرين ومعاملتهم بتقدير. هذا يعني أن تدعهم يكملون ما يريدون قوله دون مقاطعة، وأن تمنحهم انتباهك عندما يريدون إخبارك بشيء ما، وأن تسألهم عن أحوالهم قبل أن تنقل لهم أخبارًا سيئة. عامل كل شخص بطيبة ولطف وتذكر أنه من المهم أن يشعر من أمامك أنك تعامله بعدل، حتى لو لم تكن تحبه.
    • احترام الآخرين من الخلق الحميد بشكل عام. إذا كنت أمام كبار السن أو من لا تعرفهم على سبيل المثال ثم سببت أو لعنت أو استخدمت ألفاظًا بذيئة؛ فقد يراها الآخرون قلة ذوق وبالتالي انعدام لباقة.

المزيد حول هذا المقال

تم عرض هذه الصفحة ٩٬٩٠٢ مرة.

هل ساعدك هذا المقال؟