تنزيل المقال
تنزيل المقال
التكريس المسيحي أحد الطقوس المسيحية الشائعة، وعلى الرغم من كثرة تداوله، فقد لا يعرف الكثير من المسيحيين وغير المسيحيين ما هو بالتحديد وما المقصود به. اطلع على فقرات هذا المقال لتفهم أكثر ماهية مفهوم التكريس، ومختلف الحالات والأفكار المحيطة به، وقد تهتم في نهاية المقال بأن تُطبق تعاليم هذا الطقس على حياتك الشخصية سعيًا للمزيد من التجلي الإيماني وتعميق علاقتك مع المسيح.
الخطوات
-
تعرف على مفهوم "التكريس". المقصود بتكريس نفسك في اللغة هو أن تهب نفسك لقضية أو فكرة أو نية معينة، والمقصود بالتكريس الديني في المسيحية أن تهب نفسك كليًا للعمل من أجل هدف سامي وغرض ضخم وذي أهمية كبرى على المستوي الديني. [١] X مصدر بحثي
- يُشير مصطلح التكريس الديني إلى عزل نفسك عن متع الحياة وتكريس ذاتك ونفسك ووقتك ومجهودك من أجل خدمة الدين المسيحي، وهو ما يعني في ذاته خدمة الرب المسيحي.
- يُشير المصطلح كذلك إلى الرسامة أو التعيين الرسمي التابع لمؤسسات الديانة المسيحية، ولكن بالنسبة لعامة المؤمنين المسيحيين، فالمصطلح يُشير بمعناه الأساسي الرئيسي إلى أن يهب الفرد ذاته إلى الرب دون إقامة أو تنصيب من البشر.
- قد يُستخدم مصطلح التكريس فيما معناه تكريس شيء ما. أي تقديسه ووقفه لغرض ديني مقدس، ومن ثم تكريس النفس يعني تحويل نفسك من بشري دنيوي إلى شخص مقدس ومكرس نفسه لعبادة الله.
-
تأمل الجذور الروحية والدينية للتكريس في المسيحية. التكريس المسيحي بوصفه أحد الشعائر المسيحية القديمة تعود أصوله إلى العهد القديم. يوجد ذكر للتكريس في كلا نصفي الإنجيل، كما يُشار إلى هذا الفعل الديني بقدر كبير من التقدير والاحترام من قبل المجتمع المسيحي في العصر الحالي.
- واحدة من أقدم مرات ذكر فعل التكريس تجدها في سفر يشوع 3:5، فبعدما هام أهل إسرائيل في البرية لمدة 40 عامًا، وصل إليهم الأمر الإلهي بتكريس أنفسهم وذلك بالدخول إلى أرض الله الموعودة، على أن ينالون ضمانة من الله، حال التزامهم بهذا الأمر واتباعه، بأن يُنعم عليهم ويحقق لهم وعوده وبشائره. [٢] X مصدر بحثي
- ذُكر التكريس كذلك في العهد الجديد. في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس 6:17، يأمر الله أتباعه: "ولا تمسوا نجسًا، فأقبلكم". وبالمثل في الرسالة إلى أهل روما 12:1-2، يصف القديس بولس حتمية اعتبار الجسد أضحية حية موهوبة إلى الله، وأن يكرس المسيحي نفسه كليًا إلى عبادة الله وليس لتتبع شهوات ونعم العالم الدنيوي.
-
تفهم أن الله هو الذي يقيم. يطلب الله من البشر أن يكونوا خدمًا له وأن يكرسوا أنفسهم لعبادته، إلا أن هذا التكريس لا يمكن له أن يُقام إلا بمشيئة الرب وحده، وأن الله هو من يفرز ويخصص خدامه قبل حتى أن يُولدوا.
- القداسة تأتي كاملة وكلية من الرب، والإقامة أو التكريس الذي يتم بواسطة إنسان هو في أصله قدر الله ومشيئته التي تتحقق في الشخص. الله وحده هو من يملك القدرة الكلية لتحويل أتباعه من إنسان عادي لشخص مقدس ومُكرم بعبادته، لذا كن موقنًا أن الله هو من يقيم وأنك بتكريس نفسك له، أنت تحقق مشيئته لك بأن تُكرس وتقدس لعبادته.
- بصفته الخالق، يرغب الله في أن يعيش كل البشر في صورة الرب ومثاله؛ على هذا النحو، فمشيئة الله هي أن يُكرس كل البشر حياتهم للعبادة وأن يعيشوا جميعًا حياة مقدسة.
-
اوهب قلبك للرب. تكريس نفسك للرب هو بمثابة التجاوب الفعلي مع دعوة الله الروحية للعبادة والالتزام الديني، وهو ما لن يتحقق إن لم تتخذ قرارًا صادقًا وواعيًا بأن توهب روحك وقلبك وعقلك، وكل ذرة من ذرات جسمك ولحظة من لحظات حياتك، إلى الله.
- يجب أن يصدر قرارك هذا من قلبك وروحك وعقلك. تذكر دائمًا أن الله هو من يقيم وأنك تعامل الله بعبادتك وليس أي إنسان آخر، لذا لا فائدة من تكريس مسيحي ناتج عن ضغوطات الآخرين وغير صادر من رغبتك الذاتية الحقيقية.
-
تأمل دوافعك الشخصية. التكريس المسيحي فعل طوعي -بمحض الإرادة الشخصية- ويفترض به ألا يكون طمعًا في أي رغبة مادية دنيوية، لذا واحدة من أولى خطوات الاستعداد لتنفيذه أن تُساءل نواياك الشخصية وما إن كنت راغبًا حقًا في أن تهب نفسك للرب أم أنك فقط ترضخ لضغوط خارجية ممن حولك أو تطمع في رغبات دنيوية ما.
- لا يعلم ما في قلبك إلا الرب، لذا أنت غير مضطر لصياغة دوافعك ومبرراتك لأيٍ من كان ولا حتى لنفسك، والأمر الوحيد الهام هو أن تصدق في شعورك ويستقر الأمر في قرارة نفسك.
- يجب أن يكون التزامك تجاه المسيح هو أولويتك الشخصية، وما تحبه وتريده، وليس مجرد اختيار من بين اختيارات أخرى في حياتك أو تجربة تُجبر عليها نفسك نتيجة لضغوط ما. [٣] X مصدر بحثي
- يجدر بك قبل المتابعة في خطوات التكريس المسيحي أن تستشعر بالمحبة التامة والامتنان للرب في أعماق قلبك. هل تثق في أن قلبك مستعد ومهيئ لهذه الخطوة؟ هل تبادل الرب المحبة التامة كما يبادلك الحب ويغدق عليك نعمه وخيره؟
-
اندم وتب عن خطاياك. التوبة عن الخطايا واحدة من الخطوات الأولية في مسعاك نحو تكريس نفسك للرب، ويقصد بها الاعتراف بخطاياك التي ارتكبتها في الفترة السابقة والإقرار للرب بحاجتك للخلاص الذي وهبه لك المسيح.
- التوبة تجربة ذاتية تختلف سماتها من شخص لآخر، لكنها كذلك واضحة وسهلة وغير معقدة. طالما يملأ قلبك وعقلك الرغبة في الخضوع للرب والندم على خطاياك والتوبة، فكل ما تحتاج إليه ببساطة هو التوجه إليه بالصلاة وطلب المغفرة وأن يساعدك على مواجهة إغراءات الذنوب والخطايا مستقبلًا.
-
اخضع للتعميد. الشخص الذي يجري تعميده يصبح تابعًا ليسوع المسيح وتابعًا للكنيسة المسيحية. التعميد بالماء فعل مادي يحمل بداخله المعنى الروحي للخلاص الداخلي وتكريس قلبك وعقلك للرب. بالتعميد، وكأن المسيحي يولد من جديد وتكون حياته الجديدة مكرسة لخدمة المسيح.
- أنت بحاجة لتخصيص بعض الوقت لتجديد وعود التعميد، خاصة إن كنت قد تم تعميد وأنت طفل وقبل أن تبلغ ويصبح الأمر قرارك الشخصي التام.
- توجد عدة طرق مختلفة لإتمام وعود التعميد. في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مثلًا، يوجد ما يُسمى باسم "سر الميرون/سر التثبيت"، وفيه تؤكد على نيتك بالبقاء مكرسًا للرب.
- يمكنك تجديد وعود تعميدك دون الحاجة لإقامة سر التثبيت المنفصل، ولكن بمجرد تلاوتك قانون الإيمان/العقيدة النيقية أو إقامة صلاة نذر شخصي للرب تتناول فيها رغبتك ونيتك في البقاء تحت مظلة التكريس المسيحي.
-
انأى بنفسك عن شرور العالم. يميل الجسد المادي البشري دومًا لمغريات وملذات الدنيا، ويدنو في طرق الحياة والعالم الغث منها والسمين، بينما يعني تكريس نفسك للرب أن تكون أولويتك الأولى الدائمة هي نقاء حياتك الروحية والترفع عن متع الدنيا وتقديس نفسك بوصفه تقديسًا للرب.
- الحياة الدنيا مليئة بالكثير من النعم الطيبة. مثلًا تجد أن الطعام نعمة من نعم الرب، وطالما اقتصرت منه على ما يلزم جسدك ليقوى على مهامه الأساسية، فكل لقمة من الطعام هي خير يساعد في إمدادك بالمواد الغذائية اللازمة لتستمر حياتك الطيبة، ولذا لا يوجد أي عيب في أن تتلذذ بالطعام وتشتهي منه ما تحب بقدر معقول.
- لكن ولأن الحياة معقدة ولا تخلو من الشر، يمكن أن تنقلب الآية وتتحول النعم إلى نقم، إن كان الغرض منها سقيمًا وغير طيب. استكمالًا لنفس مثال الطعام، قد يتحول الطعام لضرر تام على جسدك إن أكثرت من كميات ما تأكله وإن أكلت طعامًا غير صحي وإن ارتكبت الخطايا للحصول على لقمتك أو أثناء تناولها.
- ارفض شرور العالم الدنيوي دون أن يؤثر ذلك سلبًا على استمتاعك بنعم الرب الطيبة ودون أن تنعزل وتتقوقع على ذاتك كارهًا كل الدنيا بما فيها؛ المقصود فقط أن ترفض الأمور غير الطيبة وتترفع بنفسك عن الجانب غير الطيب للأشياء التي تحتمل الأمرين، واضعًا دائمًا نصب عينيك الحقيقة الأكبر في الحياة: الأشياء الدنيوية أقل قيمة وفائدة من الأمور الدينية والروحية.
- كيف تطبق ما سبق عمليًا؟ الإجابة ببساطة هي أن ترفض ما يغريك به العالم طالما دلك إيمانك الديني أن تلك المغريات خبيثة وضارة، وكذلك أن تتبع مشيئة الله لحياتك وتقبلها حتى إن تعارض ذلك مع أساسيات الحياة التي نحبها ونطمع فيها جميعًا، كالاستقرار المالي والعلاقات العاطفية... وما شابه. أساسيات الحياة تأتي في المرتبة الثانية بعد خدمة الرب، فهي لا فائدة منها إن جنيتها جراء معصية، ولا تكتسب قيمتها وخيرها إلا إن كانت طاعة للرب وفي سبيل خدمته.
-
تقرب من الرب أكثر وأكثر. لن تتغير شخصيتك للأفضل بمجرد رفضك لشرور العالم ومغرياته وخطاياه، فالروح البشرية عطشى وبحاجة ماسة دائمًا لمصدر إرواء؛ الحكمة هي أنك إن كنت تترفع عن مصادر الإرواء الدنيوية الحقيرة، فأنت بحاجة حتمية وضرورية للارتواء من مصدر إلهي وروحي، وهو ما يتحقق لك عن طريق التعبد للرب والاقتراب منه ومعرفته. [٤] X مصدر بحثي
- كما يشتهي الجسد الطعام وغيره من نعم الدنيا، تعطش روح الإنسان إلى الرب وتعاليمه. مرن نفسك على الخضوع لرغبة الروح في الاقتراب من الرب وإيجاد طريق الهدى، وستجد أنك بسهولة شديدة لاحقًا تقترب من الله وتسلك دروبه.
- توجد ممارسات عملية تقربك من الرب. منها مثلًا، ولعلها الأهم، الصلاة الدائمة. التزم بالتعبد الأسبوعي في الكنيسة ودراسة الكتب المقدسة، فالأمران فائقا الفائدة في تطهير النفس وتحسين صلتك بالمسيح. على هذا النحو، يمكن اعتبار أن أي نشاط يجعل الرب نصب عينيك ويزيد تركيزك على حسن استغلال حياتك في الخير لك وللآخرين هو نشاط تعبدي للرب ودربًا من الدروب التي لك أن تسلكها في سبيل تكريس نفسك وتقوية صلتك بالمسيح.
-
حافظ على التزامك من الآن ولاحقًا. التكريس ليس نشاطًا تمارسه مرة واحدة ولا يتحقق بمجرد اتخاذك للقرار، ولكنه أسلوب حياة وتحدي تخوضه في كل لحظة وكل موقف في حياتك. طالما قررت أنك مكرسًا للرب وللمسيحية، فأنت من الآن وصاعدًا في طريق لا نهائي نحو الرب وهو كل مسعاك وهدفك في الدنيا.
- يساعدك التكريس على بدء صفحة إيمانية جديدة والتواجد على مقربة أكثر من الرب، ولكن لن تنتهي المهمة في يوم وليلة، فلا يمكن لأي إنسان تحقيق البر التام أو التعبد للرب كأفضل ما يكون، فدائمًا يوجد ما يمكنك فعله أفضل وأفضل، أو يمكنك مداومة نفس ممارسات فعل الخير وتجنب الشرور يومًا بعد آخر كل حياتك.
- يقبل الله من المؤمن ما يقدر عليه من عبادة. كل المطلوب منك هو مراعاة الرب والالتزام بأن يكون هو مسعاك الدائم. يتعثر المؤمن في مساره، ولا عيب في ذلك، ولكنك قادر دائمًا على النهوض ومواصلة السير في طريق الهدى مهما واجهت من تحديات.
أفكار مفيدة
- تعرف على ماهية التكريس ليسوع عبر مريم العذراء. يوجد في الكاثوليكية ما يُعرف بالتكريس إلى مريم، ومن ثم يجب أن يُميز المسيحي المؤمن بين هذا النوع من التكريس والتكريس الذي يتم للرب مباشرة.
- مريم العذراء هي مثال وقدوة عظيمة عن التكريس المثالي للرب؛ مريم العذراء ليست من الآلهة بحد ذاتها، ولكن قلب مريم الطاهر وقلب يسوع في اتحاد يجمع بين القلبين.
- التكريس لمريم العذراء ما هو إلا نوع من أنواع إقامة هذا الأمر، ولكنه في النهاية تكريسٌ للرب، وليس مريم. ويتحقق فعل التكريس لقلب مريم الطاهر عن طريق السير في نفس طريقها نحو يسوع.
المصادر
المزيد حول هذا المقال
تم عرض هذه الصفحة ٥٬٧٤٩ مرة.