PDF download تنزيل المقال PDF download تنزيل المقال

القصة القصيرة هي الشكل الأدبي الأمثل للكثير من كُتاب الأدب، وعلى الرغم مما تحتاجه من مهارة في اللغة والتكثيف الذهني، إلا أنها هينة وفي المتناول عند مقارنتها مع الرواية؛ فالأخيرة مهمة "هرقلية" يُتقنها عدد قليل فقط من الكُتاب، وعدد أقل يقدر على بدء رواية والاندماج معها والانتهاء منها بالفعل، بينما نجد أن القصة القصيرة -وإن كانت مهمة معقدة- إلا أنها قد تُكتب في أسبوع أو اثنين، أو ربما في جلسة واحدة! تحتاج القصة القصيرة لصنعة كتابية متطورة، بينما تحتاج الرواية إلى مجهود متواصل، لكن في نفس الوقت يشترك الاثنان في مجموعة من العوامل، ألا وهي: موقع الأحداث، الحبكة، الشخصيات، المعنى أو الرسالة. قصتك كذلك، ومهما كانت قصيرة الحجم، يجب أن تكون ممتعة ومشوقة للقراء. السؤال الآن: ما هي الطريقة الصحيحة لكتابة قصة قصيرة مميزة؟ والإجابة أن كل قصة قصيرة تمر بثلاث مراحل أساسية: العصف الذهني (تجميع الأفكار)، ثم كتابة المسودة الأولى، ثم عملية المراجعة النهائية والتعديلات، ويمكنك أن تستغرق في الأخيرة كل ما يلزمك من وقت قبل أن تصل إلى الصورة النهائية الأمثل للقصة وتصبح قابلة للنشر.

جزء 1
جزء 1 من 3:

فكرة القصة

PDF download تنزيل المقال
  1. يجب أن تعرف بوضوح من البداية موضوع القصة وأحداثها، ويعني ذلك أن تستكشف بداخل نفسك ما ترغب في معالجته عبر القصة وكذلك كيفية التعبير عن تلك الأفكار اعتمادًا على الشخصيات والحوار والأحداث. يملك كل كاتب قبل أن يبدأ في كتابة قصته منهجًا أو زاوية ينظر بها لما ستكون عليه القصة. [١]
    • مثال: ابدأ بحبكة بسيطة كأن تضطر الشخصية الرئيسية في الأحداث للتعامل مع أخبار حزينة أو استقباله لزائر غير مرغوب فيه، سواء كان صديقًا أو أحد أفراد العائلة أو غير ذلك.
    • مثال آخر: قد تكون حبكتك معقدة أكثر، كأن يستيقظ البطل في عالم موازٍ أو يكتشف سرًا غريبًا عن أقرب أصدقائه أو زوجته.
  2. تركز القصص القصيرة على شخصية أو اثنتين لا أكثر، ويجب أن تكون تلك الشخصيات الرئيسية عميقة ولها رغبات واحتياجات واضحة، وعامرة بالتناقضات. لا تكتفِ بشخصية طيبة وأخرى شريرة، بل اصنع الشخصيات بنسق عميق وصفات ومشاعر متضاربة ومتداخلة، وهو ما يُضفي عليها طابع حقيقي ويجعلها ممتعة للقراء. [٢]

    شخصيات القصص المثالية:
    البحث عن الإلهام: الشخصيات حولك من كل مكان، لذا استغرق ما يلزم من وقت في تأمل البشر الذين تقابلهم في الأماكن العامة ومعارفك وأصدقائك. دوِّن ملاحظات عن الشخصيات المثيرة للانتباه وعن تصورك حول كيفية إدراجهم ضمن أحداث قصتك. لا حرج من استعارة صفات أشخاص حقيقيين في شخصيتك القصصية.
    تاريخ الشخصية (الماضي): ستدور القصة حول الأحداث المستقبلية التي تمر بها الشخصية، لكنك بحاجة كذلك لأن تعرف كل صغيرة وكبيرة من حياة الشخصية في الماضي، فذكرياته وتجاربه من الماضي هي ما كونت شخصيته الحالية. كيف كانت طفولة هذا الرجل العجوز الوحيد؟ ما سبب الندبة في يده اليُمنى؟ قد لا تذكر تلك التفاصيل في قصتك نفسها، لكنك ستكتب عنه أفضل إن كنت ملمًا بتلك التفاصيل من حياته في الماضي.
    شخصيات تثري الحبكة: اصنع شخصيات تُثري حبكة القصة وتُضفي عليها بُعدًا عميقًا وممتعًا للقراء. لا تكتب عن فتاة مراهقة تحب عائلتها، ولكن اكتب عن فتاة مراهقة تحب عائلتها وتصارع الواقع وهي تكتشف العالم الخارجي الحقيقي بعيدًا عن المنزل وما تواجهه من صعوبات لحماية أخيها الصغير ضد حالات التنمر في المدرسة. ربما أنها تشعر بالغيرة من أخيها الصغير في البيت، ولكنها مضطرة لحمايته من المتنمرين في المدرسة؛ هذا هو ما يخلق العمق ويجعل حبكة القصة مثيرة للقراء.

  3. يجب أن تحتوي كل قصة قصيرة على صراع أو أزمة مركزية يجب على البطل أن يتعامل معها؛ هذا هو موضوع أي قصة في العالم. ابدأ من أول القصة في استعراض هذا الصراع، ثم تعمق في الدخول إليه أنت (كسرد) والبطل (كشخص يعيش هذا الصراع) على مدار كل فقرات القصة. الحياة الصعبة والشاقة للبطل تساعدك على كتابة قصة أفضل. [٣]
    • مثال:
      اجعل لبطل القصة رغبة أو تطلع معين، لكنه يعاني على مدار الأحداث سعيًا لتحقيق هذا الهدف، أو ضع بطل القصة في موقف صعب أو خطر يفرض عليه فعل المستحيل للنجاة بحياته هو وأحبابه.
  4. اعتبر أن القارئ سينتقل مع البطل إلى موقع الأحداث، لذا من الضروري أن تجهز له مكانًا شيقًا ومميزًا، وربما حتى تنتقل عبر الأماكن ضمن أحداث القصة لخلق حالة من الحركة والحيوية. يجب أن يحدث كل مشهد من مشاهد القصة في مساحة مكانية تعرفها بوضوح وأن تتفاعل الشخصيات مع تلك المساحة وأن تلعب جغرافيا المكان دورًا في الأحداث. [٤]

    نصائح حول كتابة موقع أحداث القصة القصيرة:
    العصف الذهني: اكتب أسماء أماكن المشاهد، مثل: "مستعمرة فضائية على كوكب المريخ" أو "ملعب كرة القدم في المدرسة الابتدائية". تخيل بوضوح المكان حيث ستجعل الشخصيات تعيش أحداث القصة واكتب كل التفاصيل التي تخطر في بالك عن طبيعة هذا المكان، ثم تدريجيًا أضف الشخصيات لموقع الأحداث متخيلًا كيف ستدور المشاهد والحوارات والأحداث بينهم وسط هذا المكان.
    اختيار موقع الأحداث بناءً على الحبكة: يتحدد موقع الأحداث افتراضيًا بناءً على الشخصيات وتصاعد أحداث الحبكة، لذا اسأل نفسك: أين يفترض أن تدور أحداث هذه القصة؟ ثم اختر المكان الجغرافي المحيط بالشخصيات بناءً على تلك الإجابة بحرفية شديدة تجعل القارئ عاجزًا عن تخيل تلك الأحداث في أي مكان آخر. هل يتعرض البطل لحادثة سيارة مثلًا؟ يُقترح إذًا أن يتعرض لهذه الحادثة على أطراف قرية نائية خلال ليلة شتوية بسبب الأمطار، وستجد أن طبيعة المكان قد طورت بعدًا عميقًا للأحداث (الآن أصبح البطل في منطقة منعزلة في ظروف جوية صعبة ويجب عليه أن يجد طريقة لإصلاح سيارته!).
    لا تُحَمِّل القصة أكثر من استطاعتها! التنقل بين الأماكن قد يُضفي حيوية ومتعة للأحداث، لكنك في النهاية تكتب قصة قصيرة، لذا قد يتشتت القارئ إن كتبت الأحداث في أكثر من مكان؛ القاعدة العامة أن موقعًا أو اثنين لا غير يكفيان لأحداث قصة قصيرة، مع وجود بعض الاستثناءات لا شك.

  5. ترتكز أي قصة قصيرة حول موضوع ما وتسعى لاستكشافه من وجهة نظر الراوي أو أبطال القصة. يُقصد بذلك الموضوعات الكبرى التي تشغل البشرية على مر التاريخ، مثل: الحب أو الرغبة أو الفقد والموت. اختر أحد تلك الموضوعات واكتب قصة تشرح وجهة نظر معينة حول المُختار من بينها. [٥]
    • يمكنك التركيز على موضوع أدق نوعًا ما، مثل: التنافس بين الإخوة أو التطلع للصداقات أو فقدان الوالدين.
  6. تحتاج أي قصة قصيرة إلى تلك اللحظة التي يصل فيها البطل إلى أقصى درجات الانفعال والشحن العاطفي نتيجة لما مر عليه من أحداث. تأتي لحظة الذروة تلك في النص الثاني من القصة أو على بعد أمتار قليلة من النهاية. يجب أن يُغمر البطل في تلك اللحظة وسط فيض من المشاعر أو الأحداث الشاقة أو تخرج حياته عن السيطرة أو يُسيطر عليه اليأس والشك في نفسه. [٦]
    • مثال: قد تكون لحظة الذروة العاطفية في القصة هي عندما يضطر بطل قصتك، العجوز الوحيد، أن يواجه جاره صاحب الأنشطة غير القانونية، أو عندما تواجه بطلة القصة، الفتاة المراهقة صاحبة الشخصية المهتزة، موقفًا يفرض عليها الدفاع عن أخيها الصغير ضد المتنمرين في المدرسة.
  7. من البداية ضع نصب عينيك الوصول إلى خاتمة لها أن تترك القارئ متفاجئًا ومصدومًا نتيجة لمعلومة معينة تنكشف له في آخر لحظة أو لانقلاب مفاجئ في مسار الأحداث يجبره على تغيير وجهة نظره ويضعه في موقف عاطفي مشحون وكأنه جزء من القصة نفسها. لا تكتب نهايات متوقعة ومفضوحة من اللحظة الأولى، بل تلاعب بالقارئ وادفعه نحو قناعة معينة، ثم بذكاء وحرفة، ودون الخروج عن إطار المنطق، اقلب الطاولة وأعد توجيه انتباهه نحو منطقة مختلفة تمامًا تحقق لك ما يلي: أولًا، إتمام أحداث القصة والكشف عن كل أوراق اللعب. ثانيًا، المفاجأة الشيقة والممتعة التي تجعل القصة عالقة بذهن القارئ للأبد.

    النهايات الجيدة للقصص القصيرة:
    اكتب أكثر من نهاية: ضع في الحسبان أكثر من شكل لنهاية القصة واعمل على تحليل كل اختيار منهم لتحديد النهاية السلسة والمتوافقة مع الأحداث أكثر، والمُرضية والمفاجئة في نفس الوقت. لا مشكلة كذلك إن لم تعرف نهاية القصة بوضوح من البداية؛ تقبل أنها الجزء الأصعب على الإطلاق في أي قصة ستكتبها.
    ما هو الشعور الذي يجب أن يشعر به القارئ في نهاية القصة؟ نهاية القصة هي الانطباع الأخير الذي يأخذه القارئ قبل أن يرحل، لذا ضع في اعتبارك الحالة المزاجية التي تود أن يخرج بها بعد قراءة قصتك؛ هل تريده أن يشعر بالحماس والقدرة على النجاح؟ أم بالإحباط والفشل؟ أم أن يستقر في منطقة وسط بين الاثنين؟ قد تتطور الأحداث إلى اتخاذ بطلة القصة قرارًا بالدفاع عن أخيها ضد المتنمرين، لكنك تختم القصة بأنها حاولت وفشلت أو أصابها الذعر في آخر لحظة وتراجعت؛ يعني ذلك أن ما سيشعر به القارئ أن البطلة غير قوية كفاية لمواجهة العالم وأنها بحاجة لسنوات من البحث عن الذات.
    ابتعد عن النهايات المبتذلة (الكليشيه): الكليشيه ليس فكرة سيئة بالضرورة، ولكنه أي فكرة ممضوغة، مكررة، تم ابتذالها في آلاف القصص والخطب والمقالات من قبل. وكأنه مثلًا نكتة مضحكة، لكنها قديمة وتعرفها ولن تضحك عليها، بل ستشعر بالملل إن استمتعت إليها مرة أخرى. يجب أن تفاجئ القارئ في نهاية قصتك، وهو ما لن يتحقق إلا بنهاية مثيرة وقوية ولم يسبق له قراءة ما يشبهها من قبل. ابذل كل ما تقدر عليه من عصف ذهني وتفكير سعيًا للوصول لتلك النهاية التي تجعل شخصياتك تعيش مواقف وتجارب جديدة لم تمر بها أي شخصية قصصية من قبل.

  8. لا يوجد وسيلة أفضل لتعلم الكتابة الأدبية، بما فيها القصص القصيرة، من قراءة الأعمال الخالدة لتتعلم بالقدوة والمثل ولتتطور مهاراتك القصصية في عقلك اللاواعي. اقرأ القصص القصيرة من مختلف التصنيفات والأنواع الأدبية، سواء الرومانسية أو الرعب أو العلمية.
    انتبه جيدًا للطريقة التي يتعامل بها كل كاتب مع الشخصيات والثيمة القصصية وموقع الأحداث والحبكة، وافهم أيًا منها هي نقطة القوة التي جعلت مما تقرأه قصة مميزة.
    نقترح عليك قراءة:
    • قصة "المرأة والكلب" لأنطون تشيخوف. [٧]
    • قصة "أمر ما كنت أحاول أن أخبرك به" لآليس مونرو.
    • قصة "إلى إيزمي، مع خالص حبي والقذارة" لجي دي سالنجر. [٨]
    • قصة "صوت الرد" لراي برادبوري. [٩]
    • قصة "ثلج وزجاج وتفاح" لنيل جايمان.
    • قصة "جبل بروكباك" للمؤلفة آني برولكس". [١٠]
    • المجموعة القصصية "النمور في اليوم العاشر" للمؤلف زكريا تامر.
    • مؤلفات الكاتب غسان الكنفاني في القصة القصيرة
    • مؤلفات الكاتب يوسف إدريس في القصة القصيرة
    • مؤلفات الكاتب سعيد الكفراوي في القصة القصيرة
جزء 2
جزء 2 من 3:

كتابة المسودة الأولى

PDF download تنزيل المقال
  1. تُنظم القصة المتقنة في ما يُسمى بهيكل أو مخطط أو مُلخص الحبكة، والذي يتكون من خمسة أجزاء: العرض التقديمي، حدث مُحرض (دافع لغيره من الأحداث)، ذروة، استقرار الأوضاع، فك العقدة (الحل/ الختام). الحبكة في القصة هي ببساطة الأسلوب المُحكم الذي يُعرض به الأحداث، وتضمن لنفسك الوصول لهذا الأسلوب المحكم إن التزمت بالخمسة أجزاء سابقة الذكر بالترتيب. اعتبر أنها خانات يجب تسديدها قبل البدء في الكتابة، والتي ستعينك وترشدك أثناء الكتابة نفسها وتضمن لك أن تكون مراحل القصة (البداية والوسط والختام) واضحة ومترابطة وممتعة في القراءة. [١١]
    • تُوجد مدرسة بديلة تُسمى الجملة أو الفقرة الواحدة، وفيها تلخص كل الأحداث في جملة أو فقرة صغيرة تكشف عن كل الشخصيات في القصة وما يحدث بينهم وتخلق حجر أساس لكل المشاهد.
  2. تعتمد القصص الحديثة على عنصر الجذب و"الخطف" للقارئ عبر الافتتاحية القوية، وتتحقق تلك القوة إن احتوت افتتاحيتك على "حدث رئيسي/ صراع من نوع ما/ مشهد لا مثيل له أو وصف لغوي بياني رائع"، أو حتى أن تحتوي على كل ما سبق في نفس الوقت. استغل الفقرة الأولى من القصة كذلك في التعريف بالبطل (الشخصية الرئيسية) والمحيط المكاني من حوله، وازرع في لاوعي القارئ كل ما ترغب في أن تحصده مع انتهاء القصة؛ أي اترك تلميحات عن أفكارك ومشاعرك وطبيعة الموضوع الذي تتناوله القصة. تجنب بالطبع الأسلوب المباشر مراعيًا أنك تكتب عملًا فنيًا وليس مقالًا صحفيًا. [١٢]
    • قد نتفق على أن جملة "كنت وحيدًا في ذاك اليوم!" ليست هي الأمثل لافتتاح القصة (قد يكون لديك رأي مخالف، شاركنا في التعليقات)، لكنها لا تُطلع القارئ على معلومات جديدة وليست مُصاغة بلغة تفاعلية ومحفزة للمشاعر.
    • نقترح بدلًا منها الافتتاحية التالية التي تؤدي نفس الغرض ولكن بأسلوب قصصي أفضل: "بعد أسبوع من وفاة زوجتي، وجدت نفسي أدق الباب على الجيران طالبًا استعارة بعض السكر، ولم أكن أخطط لعمل أي شيء بالسكر في تلك اللحظة." هذه الجملة تُخبر القارئ بحدث معين (وفاة الزوجة) وبحالة البطل في اللحظة الحالية، بتلميح أدبي ذكي دون تصريح (أنه وحيد للغاية) وتخلق مشهدًا يُمكن أن تُبنى عليه الأحداث (بين البطل والجيران).
  3. القصة القصيرة "قصيرة"، لذا قد لا تسمح لك المساحة سوى بعرض وجهة نظر واحدة خاصة بالراوي (وغالبًا ما يكون هو نفسه بطل القصة)، وهي الملزمة لك طوال الأحداث. فكر في كل الشخصيات واختر وجهة النظر التي تود أن تستعرض بها الحدث الرئيسي، لكن بمجرد استقرارك على الراوي، التزم بوجهة نظره من البداية للنهاية، ما يمنح القصة قدرًا من التكثيف والوضوح والمنظور القوي، بدلًا من التشتت في أكثر من وجهة نظر. تُكتب القصص كذلك بأسلوب الراوي العليم، أي على لسان الكاتب نفسه بصفته شخص خارج الأحداث، لكن ذلك قد يخلق حاجزًا بينك وبين القارئ، أو بين القارئ والأحداث. ترجع لك في النهاية حرية اختيار أسلوب الحكيْ الأمثل للقصة التي تكتبها. [١٣]
    • تُكتب بعض القصص بأسلوب المخاطبة؛ أي أنك ككاتب أو البطل في القصة (الراوي) يحكي قصته بتفاعل مع القارئ، ويوجه له صياغات الجمل ويخاطب مشاعره وأفكاره بشكل شخصي، بل وقد ينفعل أو يأمر أو يتهم القارئ ليجعله جزءًا من الأحداث، أو يصاحبه ويشكو له وكأنه يُرسل خطابًا لصديق مثلًا. تجد الكثير من القصص بهذا الأسلوب، من أشهرها رواية تيد تشيانج القصيرة "قصة حياتك" (Story of Your Life - Ted Chiang).
    • تُكتب أغلب القصص القصيرة في زمن الماضي، لكن لا مانع من تنويع زمن الجمل (في الصياغة اللغوية) أو الأحداث (في الصياغة القصصية) حسبما يناسب القصة ويطور أسلوبها الفني.
  4. اكتب حوارًا يكشف عن الأحداث وصفات الشخصيات ويثري القصة بكل كلمة وجملة تُقال. الحوار لاعب رئيسي ضمن أي قصة أو رواية، وبما أنك تكتب قصة قصيرة، فالحوار البسيط والواضح والمختصر لا غنى عنه. يؤدي الحوار أكثر من دور، فبالأساس هو مساحة للكشف عما بداخل أبطال القصة، كما أنه وسيلة من وسائل تطوير الأحداث، لذا بينما تُروى القصة بفقرات نصية على مدار أغلب أحداثها، في اللحظات المناسبة، أضف جملة حوارية تخلق مشهدًا وتفاعلًا بين الشخصيات وتُضفي طابعًا دراميًا وتعمق انفعالات الصراع والأحداث. [١٤]

    الحوار القصصي الذكي في نقاط بسيطة:
    اجعل لكل شخصية صوتها الخاص. الشخصيات ليس انعكاسًا للكاتب ولكنها انعكاسًا لنفسها؛ يجب أن تكون كل شخصية مميزة ولها منطقها العقلي وأسلوبها اللغوي المتفرد عن غيرها من الشخصيات. جرب أكثر من أسلوب وصولًا للصوت الخاص بكل شخصية. فكر في الأمر على أبسط مستوى من التواصل، وحدد مثلًا كيف تُلقي كل شخصية التحية على من حولها، فستجد شخصية تقول: "مساء الخير" بهدوء شديد، بينما الأخرى تهبط على المكان محدثة جلبة هائلة وصياحًا: "كيف حالكم يا شباب! لم أراكم من سنين!".
    استخدم الأفعال والجمل الدالة على الحوار بذكاء وسط النص. يُقصد بذلك صياغات مثل: "صاح فلان" أو "همست مرتعبة" أو "فقال:...". تُفيد هذه الكلمات في إضفاء طابع حسي ووصفي على مسألة القول والحوار ضمن أحداث القصة، لكن يجب أن تستخدمها بتأنٍ وانتقائية. قد تستغني عنها مع تطور الأحداث وتكتفي بعلامة الترقيم "-" في أول السطر مع ترك مسافة، ثم وضع جملة الحوار بين قوسي تنصيص. اعتمد على أفعال التحدث الوصفية عند الحاجة وعندما يكون لها مبرر منطقي في تتابع السرد.

  5. القارئ لا يرى بعينه مكان الأحداث، لذا أنت عينه ويجب أن تنقل لغتك كل ما يتعلق بموقع الأحداث من صور وأصوات ومشاعر ومذاق ورائحة لدرجة يندمج فيها مع البطل اندماجًا كاملًا وسط المشهد. اعتمد على لغة تصويرية لوصف كل ما في المكان ولغة جمالية وشاعرية تنقل الحالة والمزاج العام للمشاهد والأحداث وتفاعل البطل وبقية الشخصيات مع المكان. [١٥]
    • مثال: يمكن وصف مدرسة ثانوية على النحو التالي: وكانت رائحة طباشير الكتابة في الفصول وأوراق الكتب المدرسية الجديدة تملأ كل أركان المكان، مختلطة بعرق اليافعين من الذكور، الذين لا يتوقفون عن الحركة والركض والصياح، ورائحة خجل المراهقات…". أو يمكنك أن تكتب لوصف السماء من شرفة منزلك في يوم خريفي: "غطت السحب البيضاء الأفق وكأنها غطاء لسرير واسع من تحته كل الضباب الرمادي المختلط بدخان النيران المشتعلة خافتة وبعيدة للغاية في أبعد مدى للرؤية…"
  6. اختم القصة بلحظة إدراك أو وضوح تام لكل الأسرار والعقد التي مر بها البطل على مدار الأحداث. لا يُقصد بذلك أن تلخص القصة في درس مستفاد مُعلن بجملة خبرية ولا أن تفضح كل شيء بالتفصيل الدقيق، فالقصة القصيرة هي تلميح ذكي، والموجود في فضاء النص أكثر بكثير مما في النص نفسه، لكن المقصود ببساطة أن تكتب نهاية
    ينتهي بها الحدث الرئيسي، ويصل معها البطل/ الأبطال لاكتشاف سر ما أو يرى بعدها العالم من وجهة نظر مختلفة ويُغير من نفسه.
    وهو ما له أن يتحقق سواء كانت النهاية مفتوحة أو مغلقة واتضح بها كل الأسرار من الماضي ورُسم بها مستقبل متفق عليه للشخصيات. [١٦]
    • فكر في نهاية معتمدة على لغة جمالية وصور بيانية كأسلوب أدبي تودع به القارئ في نهاية القصة، أو يمكن أن تختم كذلك بحوار ثنائي أو مناجاة فردية (مونولوج) تكشف عما مرَّ به البطل من تغير.
    • مثال: يمكنك أن تختم القصة بالبطل وهو يُبلغ الشرطة عن أنشطة جاره المخالفة للقانون متقبلًا ما سيتحمله جراء ذلك من خسارته للأبد كصديق، أو قد تكتب مشهدًا تصويريًا بلغة شاعرية عن محاولة بطلة القصة وهي تسير مع أخيها الغارق في دمائه إلى المنزل وهي تواسيه وتناقشه حول كيفية مواجهة الواقع الصعب خارج المنزل وحماية أنفسهم من المتنمرين.
جزء 3
جزء 3 من 3:

صقل المسودة

PDF download تنزيل المقال
  1. يساعدك ذلك على الإنصات لكل جملة والحكم على وقعها على الآذان، وكذلك على سماع الحوارات بين الشخصيات وكأنها محاورات حقيقية من الحياة. قيم مدى سلاسة اللغة وترابطها وأنت تنتقل من فقرة لأخرى بحثًا عن أية جمل غريبة أو تعبيرات يمكن استبدالها بما هو أفضل. عدّل ما يزعجك أو اكتفِ بالتخطيط أسفله حتى تعود إليه في وقت لاحق للتعديل.
    • ضع المخطط المبدئي للقصة نصب عينك وأنت تراجع المسودة النهائية للتأكد من أنك لم تنجرف بعيدًا عن المسار الأصلي للأحداث واضعًا نصب عينيك توضيح كل ما يلزم عن الصراع المركزي والكشف عن الشخصيات الرئيسية.
    • تُكتشف الكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية، وكذلك عيوب علامات الترقيم، وأنت تقرأ بصوت مرتفع، وهو ما قد يفوتك إن اكتفيت بالقراءة الصامتة.
  2. في القصص القصيرة، القِصر والاختصار هو كلمة السر؛ يتراوح الطول المعياري للقصص القصيرة ما بين 1000 إلى 7000 كلمة (صفحة إلى 10 صفحات تقريبًا). لا تخجل إذًا من حذف مشاهد والاستغناء كليًا عن الفقرات والجمل لتكثيف القصة وتقصيرها. قد تكتب مشهدًا جيدًا للغاية أو جملًا أدبية رائعة، ولها علاقة بالفعل بالأحداث، ولكنها ليست الأفضل ولا الأقرب من لُب القصة، لذا استغنِ عنها دون ندم مُضمّنًا في قصتك فقط التفاصيل واللحظات الأكثر صلة وأهمية بالقصة نفسها. [١٧]

    احذف ما يلي:
    الوصف غير الضروري: في وصفك لأي شيء في القصة، اكتب وصفًا بليغًا ومختصرًا يوضح بالأساس المواصفات الأهم للأماكن أو الشخصيات أو الأشياء التي تتداخل مع موضوع القصة الرئيسي. هل كتبت بالفعل جملًا ووصفًا مشهديًا رائعًا، ولكنه غير وثيق الصلة بالقصة؟ اقتطعه من الملف واحتفظ به في ملف آخر، فربما تستخدمه لاحقًا حيث يجد هذا الوصف نفسه بسلاسة أكثر ضمن أحداث وقصة أخرى، لكن اقتطعه من متن هذه القصة.
    المشاهد التي لا تُطَّور تتابع الحبكة: هل كتبت مشهدًا جيدًا ولكنه قابل للحذف من تتابع المشاهد التي تبني بها الحبكة؟ القرار الأمثل هو أن تحذف هذا المشهد من متن القصة. طبق اختبار الاستبعاد؛ إن نجحت في قراءة القصة بدون هذا المشهد، كما هي بوجوده، ولم يتأثر تتابع الأحداث، فهذا دليل مؤكد أن هذا المشهد قابل للحذف.
    الشخصيات بلا غرض: طبق نفس اختبار المشاهد على الشخصيات، فلا تخترع شخصية رائعة ومرحة ولكن وجودها ضمن الأحداث هامشي وغير مؤثر. لا تخلق شخصية فقط ليتحدث معها البطل أو لا تؤدي دورًا واضحًا في التأثير على مسار الأحداث. يمكنك كذلك دمج الشخصيات لتقليل عددهم طالما كان ذلك قرارًا منطقيًا ضمن القصة. أعد قراءة قصتك بحثًا عن الشخصيات الهامشية التي لم تشارك في الحوار ولا الأحداث، وفكر في كيف سيكون شكل القصة إن حذفت تلك الشخصيات نهائيًا.

  3. أول ما ينظر إليه القراء والمحررون هو عنوان القصة، لذا لا تكتب عنوانًا مملًا ثم تستغرب أن قصتك الرائعة -وربما أنها رائعة بالفعل- لم تجد من يقرأها.
    اختر عنوانًا له أن يحفز ذائقة القراء الأدبية ويستفز فضولهم ويشجعهم على ترك كل شيء والانتباه كليًا لمعرفة المزيد عما يخبيه هذا العنوان وراءه من أحداث.
    قد يكون عنوان القصة شبه جملة توضح الموضوع (الثيمة) أو كلمات تحمل صورة مشهدية أو لغوية جمالية أو اسم الشخصية/الشخصيات، أو حتى شكل ما يجمع بين كل ما سبق. [١٨]
    • من أمثلة عناوين القصص القصيرة العربية الرائعة، مؤلفات الكاتب بهاء طاهر: "لم أعرف أن الطواويس تطير" و"أنا الملك جئت". وتجد فيها جملة تامة توضح حدثًا مشهديًا أو معلومة عن بطل القصة، كما أنها مُصاغة لغويًا بمهارة أدبية تجذب الانتباه.
    • من الأمثلة الأخرى، نجد قصة الكاتب محمد مستجاب "الحزن يميل للممازحة"، وفيها تشبيه لغوي للحزن على أنه إنسان، وطباق بين الحزن والممازحة. هذا الأسلوب البليغ يجذب انتباه القارئ ويثير ذهنه. واصل التجريب بحثًا عن أسلوبك الخاص في صياغة عناوين القصص القصيرة.
  4. اعرض قصتك على أصدقائك ومعارفك من المهتمين بالقراءة والكتابة القصصية. اسألهم عن رأيهم العام وكذلك على تعليقاتهم المحددة عن مشاهد وحوارات معينة، وكذلك عن مدى اندماجهم عاطفيًا مع الشخصيات وما إن كانت الأحداث جذابة ومنطقية أم لا. تقبل كل النقد، البنّاء وغير البنّاء للقصة، وفكر فيه لتطوير قصتك دون النظر للأمر وكأنه نقد شخصي، بل تأمل جيدًا كل تعليق واستفد منه كما تقتنع في النهاية لتعديل الأحداث والصياغة والشخصيات والحوار.
    • فكر في الانضمام لمجموعات الكتابة (تحت إشراف خبراء أو كتاب مشهورين في القصة القصيرة) أو ورش تطوير القصص أو التقدم بالقصة إلى إحدى مسابقات الكتابة. يمكنك حتى أن تكوّن مع أصدقائك من المهتمين بالكتابة القصصية مجموعة عبر منصات التواصل الإلكترونية أو اللقاءات الدورية للعمل سويًا على تطوير القصص ودراسة فن الكتابة القصصية.
    • بعد تجميع تعليقات من تثق بهم، اجلس للعمل مرة أخرى على القصة محاولًا تطويرها بناءً على تلك التعليقات وصولًا بها لأفضل نسخة ممكنة.

المزيد حول هذا المقال

تم عرض هذه الصفحة ٨٠٬٧٩٣ مرة.

هل ساعدك هذا المقال؟